أغنية ألهمت العالم العربي

كيف كتب إبراهيم طوقان كلمات "موطني"
II- حقبة الانتداب الأولى
Paragraph text

في ليلة باردة في أواخر عام 2015، اجتمع عدد من اللاجئين السوريين الشبان في قلب أكثر مناطق التسوق في إسطنبول ازدحاماً، تخليداً لذكرى 200,000 روحٍ أُزهِقت في بلدهم خلال سنوات الحرب الأربع. رفع هؤلاء الشبان والشابات صور اللاجئين السوريين الغرقى، الذين قضوا في خلال عبورهم المتوسط محاولين الوصول إلى أوروبا، وغنوا ومعاً أغنية يحفظون كلماتها جميعاً عن ظهر قلب؛ أغنيةُ كتبها في لبنان قبل أكثر من ثمانين عاماً الشاعرُ الفلسطيني إبراهيم طوقان.1

ليس من المعروف متى كتب طوقان كلمات نشيد موطني بالتحديد. كل ما يمكن التيقن منه هو أنه كتبها حينما كان طالباً في الجامعة الأمريكية في بيروت بين عامي 1924 و1929،2 ليلحّنها صديقاه العزيزان اللبنانيان أحمد ومحمد فليفل، المعروفان في الوسط الثقافي في بيروت بالأخوين فيلفل.3

 

المغني/الموسيقي ألاردني هاني متواسي يغني "موطني"

عمل طوقان والأخوان فيلفل معاً على مشاريع عدة، من بينها نشيد حول مقاومة المغرب للاستعمار الفرنسي والإسباني.4 كما عمل الأخوان مع كتّاب عرب آخرين، منتجين أناشيد مهيبة ألهمتها مُثُل القومية العربية ومعاداة الاستعمار. لكنْ مع انتشار أغانيهما وازديادها شعبيةً، أصبحا ضحية نجاحهما. إذ لم ترُق للمفوض السامي الفرنسي محاولاتهما لنشر العواطف المعادية للاستعمار، خاصة لأنهما كانا مدرسي موسيقى في حكومة الانتداب الفرنسي. وبأمر من المفوض السامي، أقيلا من منصبيهما، لكنهما أعيدا بعد بضعة سنوات.5

أما بالنسبة للشاعر، فقد جاء وفاته المأساوية مبكراً عام 1941، حين لم يكن يبلغ من العمر سوى 36 سنة، بعد أن استسلم أخيراً للمرض الذي لاحقه طوال حياته، تاركاً وراءه ابنه جعفر، ذي الثلاث سنوات، الذي كتب عنه في ما بعد قائلاً:

"والدي بالنسبة لي شخصية تجريدية، أعرفه من صوره التي تحتل زوايا في منزلي. أعرفه من صوته، من خلال تسجيل قديم له في اذاعة فلسطين... من خلال معرفتي التجريدية لإبراهيم، استطعت أن أكوّن صورة فسيفساية لهذا الرجل، مكونة من حكايات صغيرة."6

 

درس جعفر في مدرسة في نابلس، هي ذاتها التي درس فيها والده حين كان طفلاً، ثم درّس فيها بعد تخرجه من الجامعة. في كل صباح مدرسي، كان جعفر يصطف مع غيره من الأطفال ليغنوا موطني؛ كلمات أبيه الراحل.Unknown Object وظلّت موطني نشيداً وطنياً غير رسمي لفلسطين منذ الثلاثينيات حتى عام 1972، حين اعتمدت منظمة التحرير الفلسطينية أغنية فدائي نشيداً وطنياً رسمياً بدلاً عنها. لكن ظلّت موطني تُغنى حتى اليوم في فلسطين والشتات وفي العالم العربي عامة. كما أصبحت النشيد الوطني للعراق، الذي يغنيه العراقيون في المظاهرات المعارضة للحكومة، لا في الفعاليات الرسمية فحسب.

بات موطني نشيداً يسمو فوق الحدود القُطرية، فقد كُتب في لبنان لفلسطين وغُنّي من إسطنبول إلى الجزائر؛ نشيداً مناهضاً للاستعمار كتب موسيقاه ملحنان وظّفتهما سلطات الاستعمار الفرنسي. قصة موطني مليئة بالتناقضات، تماماً كما هي قصة المنطقة العربية الحديثة نفسها، التي مزّقها الاستعمار والعنف، وما زالت تتطلع لنشيد يلهم حلمها بمستقبل أفضل.

الجزائر- حين التحقتُ بالمدرسة لأول مرة العام 1985، كنت أحفظ عدة أناشيدَ فلسطينيةٍ، من خلال مداومتي على الاستماع إلى برنامج "صوت فلسطين" الذي كان أبي مواظبًا على الاستماع إليه، من خلال الإذاعة الوطنية الجزائرية، ومنها نشيد "موطني".. حفظته عن ظهر قلب، لوقوعه موقعًا خاصًا في أذني وقلبي. سألنا المعلم: "من منكم يحفظ النشيد الوطني؟"، فكنتُ أكثرَ المتحمسين. أعطاني الكلمة، فانطلقت في عرض نشيد "موطني"، بحماس دفعني إلى أن أرفع صوتي وأغمض عيني، وجعلني لا أنتبه إلى المعلم وهو يصحح لي: هذا نشيد فلسطين السابق، أقصد النشيد الوطني الجزائري "قسمًا"، وهو ما أثار حولي موجة من الضحكات. في المساء، وأنا عائد إلى البيت، ركبت صخرة عالية، وأطلقت عقيرتي بـ"موطني" حتى تجمع الأطفال حول الصخرة، مرددين النشيد الوطني الجزائري، وأظنها من أندر اللحظات التي التحم فيها النشيدان، تجسيدًا عفويًا لالتحام الشعبين الذي تؤطره مقولة الرئيس هواري بومدين: "نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة."

قائمة مصادر

  • 1https://www.facebook.com/samer.tarazi.90/videos/480779838768776
  • 2الطريفي، يوسف عطا. إبراهيم طوقان: حياته وشعره. دار الأهلية: 2008.
  • 3المصدر السابق.
  • 4المصدر السابق.
  • 5الزيباوي، م. الأخوان فليفل واللحن ،. النهار، 11 تشرين الأول، 2014.
  • 6طوقان، جعفر. مقدمة الطريفي، يوسف عطا. إبراهيم طوقان: حياته وشعره. ص 5-6. دار الأهلية: 2008.
  • 7المصدر السابق.