في هذه الجداريّة، تعود الفنّانة فيرا تماري إلى عملها "حكاية شجرة" (2002)، وهو تركيب فنّي من أشجار زيتونٍ خزفيّةٍ صغيرةٍ، أنتجته أثناء الاجتياح الإسرائيلي للضفّة الغربيّة، تحيّةً لشجرة الزيتون، وبيان احتجاجٍ يندّد بالتدمير اليومي المتعمّد باقتلاع مئات أشجار الزيتون الذي تمارسه الآلة العسكريّة الإسرائيليّة والمستوطنون غير الشرعيّين. بالنسبة إلى الفنّانة، كما هو الأمر بالنسبة لجميع الفلسطينيّين، فإنّ شجرة الزيتون ليست مجرّد نوعٍ نباتيٍّ ضمن المشهد الطبيعي، بل هي أكثر من ذلك بكثير: إنّها كائنٌ حيٌّ وعزيزٌ، يقف صامدًا وبتحدٍّ، شاهدًا على تاريخ الأرض وثقافتها الأصيلة. إنّها رمزٌ للتجذّر، والانتماء، والبقاء، والوفرة.
في "حارسات الأرض"، تعود تماري من جديدٍ إلى شجرة الزيتون عنوانًا وموضوعًا، فترى رابطًا حزينًا، بل وقرابةً تجمع بين أشجار الزيتون المقتلعة المحروقة والمتناثرة مثل الجثث على امتداد المشهد الطبيعي الفلسطيني، وبين عشرات الشهداء الذين يسقطون يوميًّا فوق ثرى أرضهم الحبيبة، في الحرب المروّعة التي تجتاح فلسطين اليوم. ولكن، برغم الأسى، والألم، والخسارة التي يستحضرها هذا العمل، إلّا أنّه ليس مجرّد نصبٍ تذكاريٍّ يخلّد أولئك الذين ضحّوا بحياتهم، ولا مجرّد تكريمٍ للأشجار "الشهيدات"، بل هو أيضًا بيان احتفاءٍ بالحياة والأمل، وبمستقبلٍ واعدٍ ومشرقٍ لفلسطين ولنا، نحن الفلسطينيّين.
تمتدّ الأشجار في "منزلٍ" جديدٍ لها هنا، عبر تكوينٍ يمتدّ على جدار يبلغ طوله حواليّ 28 مترًا، رمزًا للبقاء وحارساتٍ لأرض فلسطين، ليذكّرنا هذا التكوين بتلال فلسطين الانسيابيّة، وبألوانها التي تُحاكي تدرّجات التراب الدافئة وزُرقة المتوسّط الساطعة.
عدد الأشجار في هذا العمل (3288 شجرة) هو مجرّد عددٍ رمزيٍّ، لا يكاد يقترب من عدد الأشجار المقتلعة والمسجلّة رسميًّا، والذي يُقدّر بـ 2.5 إلى 3 ملايين شجرة تمّ اقتلاعها وقتلها منذ العام 1967 وحتّى اليوم.
شاركت في تنفيذ هذا العمل الفنّانتان الشابّتان راما الأشقر ومرح فرحات، ومجموعةٌ من الطلّاب المتطوّعين وأفرادٌ من الطاقم الفنّي في المتحف الفلسطيني.
فيرا تماري، "حارسات الأرض"، 2024. (3288) شجرة سيراميك وطلاء أملشن مائي، 27.5 x 6.3 م.
حجم كلّ شجرة: متغيّر
فيرا تماري
فنّانة بصريّة من مواليد القدس، وأكاديميّة ومؤرّخة للفنّ الإسلامي وقيّمة معارض، تتميّز بأعمالها الخزفيّة والنحت والفنّ المفاهيمي. شاركت في تعزيز الفنون والثقافة في المجتمع الفلسطيني، كما عملت في جامعة بيرزيت لأكثر من عقدَين مُحاضرة في الفنّ والعمارة الإسلاميّة وتاريخ الفنّ. عُرضت أعمالها في معارض فرديّة وجماعيّة على نطاق واسع في فلسطين والعالم العربي وحول العالم.