
رام الله – بيرزيت: استضاف المتحف الفلسطيني اليوم، الموافق 16 تمّوز، معرض "تجوال"، الذي تنظّمه جمعيّة الشباب العرب – بلدنا (حيفا)، في إطار مشروع "مساحات" الذي أطلقته مؤسّسة عبد المحسّن القطّان بالشراكة مع عدد من المؤسّسات الثقافيّة في فلسطين. وتهدف هذه الشراكة إلى إبراز التجربة المعرفيّة والحسيّة التي راكمها مشروع "تجوال" على مدار ستّ سنوات من البحث والمشي والتوثيق في مختلف أنحاء فلسطين.
يقدّم المعرض تجربة بصريّة ومعرفيّة استكشافيّة عن فلسطين وأهلها، تسلّط الضوء على التحوّلات التي طرأت على الأرض، وتُضيء على فعل سكّانها وتاريخهم، وعلى الأثر الذي تركوه في مواجهة الاحتلالات المتعاقبة، عبر استحضار قصصهم وذاكرتهم الشفويّة التي تشكّل نسيج الهويّة الجمعيّة الفلسطينيّة. يسعى المعرض إلى إنتاج معرفة فلسطينيّة نابعة من الميدان، تتأسّس على التفاعل المباشر مع أهل البلاد، وتُستقى من رواياتهم المتوارثة وتجاربهم المتجذّرة.
وتأتي هذه التجربة حصيلة سنوات من العمل الميداني لجمعيّة الشباب العرب، التي تنقّل فريقها بين القرى والمدن الفلسطينيّة من الشمال إلى الجنوب، متأمّلين في تفاصيل الحياة اليوميّة والاجتماعيّة، ومُلتقطين الملامح الدقيقة للهويّة الفلسطينية. وقد استند الفريق في عمله إلى الإرث الشعبي والتاريخ الاجتماعي والسياسي لفلسطين ما قبل النكبة وما بعدها، في محاولة لبناء سرديّة فلسطينيّة شاملة، تنبع من الناس وتعود إليهم.
كما يسعى المعرض إلى تقديم معرفة شاملة عن فلسطين، تمزج بين البعد المعرفي والحسّي والجمالي، وتُقارب الجوانب التاريخيّة والسياسيّة والاجتماعيّة والثقافيّة والبيئيّة في آنٍ معًا. ويطرح المعرض سؤال المعرفة بوصفها شرطًا أساسيًّا لحبّ البلاد والانتماء إليها، مؤكّدًا على أنّ إدراك فلسطين لا يكتمل من دون الوعي بتاريخها، وربط تفاصيل واقعها اليومي بالسياق الأوسع للنضال من أجل الحريّة والعدالة والكرامة.
بدوره أوضح منسّق (مركّز) مشروع تجوال، خليل غرّة: "من خلال المعرض، نسعى إلى تعميق دور التجوال في الفعل الفلسطيني، نحو السعي لبناء ذاكرة جمعيّة مرتبطة بالمكان، واستكشافه ودراسته والتفاعل معه في ظلّ المتغيّرات السياسيّة والجغرافيّة فيه"، وأضاف: "وعليه، يسعدنا أن نقوم بتنظيم المعرض بالتعاون مع المتحف الفلسطيني للمرّة الثانية، بعد أن قمنا بتنظيمه للمرّة الأولى خلال هذا العام في مسرح خشبة في حيفا، وهي فرصة لخلق نقاش حول فعل التجوال في فلسطين عامّة".
وأشارت مشرفة البرنامج العام في المتحف الفلسطيني مرح خليفة، أنّ استضافة المعرض في المتحف الفلسطيني تأتي جزءًا من مشروع مساحات الذي تطلقه مؤسّسة عبد المحسن القطّان في رام اللّه، وامتدادًا للتواصل العضوي والطبيعي بين المتحف الفلسطيني ومؤسّسات المجتمع المدني الوطنيّة في فلسطين، لبناء شراكات حقيقيّة وفاعلة معها، ومنها على وجه التحديد العاملة في الداخل الفلسطيني المحتلّ، والتي نراها امتدادًا طبيعيًّا لوجودنا الوطني والثقافي، وكونها تشاركنا الرؤية والهمّ، وتؤمن معنا أنّ الثقافة أداة مقاومة، وأنّ الحفاظ على الذاكرة وصون الرواية الفلسطينيّة مهمّة جماعيّة تتجاوز الحواجز التي يحاول الاحتلال الإسرائيلي فرضها.
تتجلّى راهنيّة المعرض في تمسّكه بالذاكرة الجمعيّة وذاكرة المكان، في مواجهة سياسات المحو والإبادة الممنهجة التي تستهدف الفلسطينيين في الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة والداخل المحتلّ عام 1948. ففي ظلّ الحواجز والبوّابات الإلكترونيّة وكاميرات المراقبة وأدوات العزل والسيطرة، لم يعد التجوّل في فلسطين ممكنًا كما كان، بل صار فعلًا يُستعاد في الخيال، ويُمارس كنوع من المقاومة الرمزيّة في وجه محاولات الاقتلاع والتهجير.
ويُذكر أنّ المتحف الفلسطيني جمعيّة غير حكوميّة ثقافيّة مُستقلّة، مُكرّسة لتعزيز ثقافة فلسطينيّة منفتحة وحيويّة على المستويَين المحلّي والدولي. يُقدّم المتحف ويساهم في إنتاج روايات عن تاريخ فلسطين وثقافتها ومجتمعها بمنظور جديد، كما يوفّر بيئة حاضنة للمشاريع الإبداعيّة والبرامج التعليميّة والأبحاث المُبتكرة، وهو أحد أهم المشاريع الثقافيّة المُعاصرة في فلسطين.