يأخذنا العمل عبر مساحات الطين الشاسعة إلى قلب القدس، وداخل سورها القديم. وفي تشقّقات الطين، نرى زينةَ المدينة، وانكساراتِها، وعزلتَها، وماءَ واحتِها الذي يمنح كلّ ما فيها حياةً. تظهر القدس هنا وجهةً للمسافر، المقاتل، المناضل، المؤمن، العابد، اللاجئ، التائه، المُحبّ، توصِل إليها طرقاتٌ ممزّقةٌ، تمتحن رغبة المريدين، وعمق إيمانهم بضرورة الوصول إلى قلب العالم. إنّها رحلةٌ للروح والجسد، توأمَين ورفيقَين يحتاجانها - القدس – بعد تعب المسيرِ الطويل.
والطين مادّة الخلق الأولى، ومادّة الفنّ الأولى، أمّا الزخارف فتنقل القدس في تمثيلٍ فيزيائيٍّ وجدانيٍّ يكاد ينطق بالجماليّاتِ والرموز، اجتُرحت من أنماط تطريز الفلسطينيّات اللّواتي صمّمن عاطفة المدينة. كلّ لحظةٍ أمام القدس الطينيّة هي لحظة تأمّلٍ تُغرق الواقف فيها بلا جهدٍ في لا مكانيّة المدينة، ولا ممكنها، كأنّما تُحمل على جناح ملاكٍ يجعل الجمال صفةً ورائحةً. وكلّ تحديقٍ في الشقوق، يُحيل إلى جرحٍ في قلب المدينة، تشعّ منه سكينة السلام الكامن في قدسيّتها.
هنا كلّ شيء ممكن الحدوث: قسوةٌ ترقّق القلب حدّ البكاء، وانعكاسُ الذات في الحجارة، ويقينُ الهائمين في الوصول.
شارك في إنتاج هذا العمل الفنّان العزيز عاطف (مواليد مخيّم العروب سنة 1996)، ومجموعةٌ من المتطوّعين من كليّة الفنون والموسيقى والتصميم في جامعة بيرزيت.
سليمان منصور، على جناح ملاك، 2024. طين وتبن وحنّاء، 12 x 6 م.
سليمان منصور
فنّان تشكيلي من مواليد بيرزيت سنة 1947، وأحد ألمع الفنّانين الفلسطينيّين المعاصرين. أسهم في تطوير البنية التحتيّة للفنون الجميلة في فلسطين، ويستخدم الموادّ المحليّة في إنتاج أعماله، مثل الطين والحنّاء والتبن. حازت سلسلته "أنا إسماعيل" على جائزة النيل العظمى في بينالي القاهرة السابع، والجائزة الفلسطينيّة للفنون البصريّة. عُرضت أعماله على نطاق واسع في فلسطين والعالم العربي وأوروبّا وكوريا واليابان والولايات المتّحدة الأمريكيّة.