فسفور أبيض
أُنتجت مجموعة فسفور أبيض في العام ٢٠٠٩، بعد انتهاء الحرب التي شنّها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزّة نهاية العام ٢٠٠٨، والتي كلّفت آلاف الأرواح.
حينها لم أتمكّن من إنتاج أيّ عمل فنّي، فسطوة الألم وهول الأحداث جعلاني مكبّلًا، وعوضًا عن ذلك تحوّلت إلى الكتابة وأنتجت مجموعة من النصوص، قبل أن أعود إلى الرسم وإنتاج هذه المجموعة.
أبيض فسفوري
للدُّمى في الطفولة
طعم العرائس في العشرين،
وأبيض الياسمين.
الأبيض للحالمين
والعرائس،
وللفرسان خيولهم البيضاء.
في غزّة
الأبيض للأطفال،
والرّماد لهم أيضًا،
وللدُّمى.
هناك…
عند ساحل الأبيض،
بالقرب من البيت،
كان طفلٌ يحلم
بالدُّمية،
ونزهةٍ متوسّطيّةٍ،
بثوبٍ أبيض،
وبالفرس.
غزّة، مرحبًا
"غزّة، مرحبًا. المنطقة المراد الوصول إليها مغلقةٌ حاليًّا، يُرجى إعادة المحاولة فيما بعد، وشكرًا".
يقطع الحصار الخانق عن غزّة كلّ أسباب الحياة، ويجعل من الوقود الداخل إليها مُنتجًا حيويًّا وأساسيًّا للاستمرار، وخصوصًا لتوليد الكهرباء. ومع السماح بإدخال كميّات محدودة من الوقود فقط، صارت الكهرباء تنقطع لساعات طويلة، يعيش خلالها سكّان القطاع في ظلام دامس.
أمّا الحرب الأخيرة، فقد أضافت بُعدًا جديدًا للمأساة، فلم يُعد الأمر يقتصر على عزل غزّة فيزيائيًّا عن العالم، إنّما أثيريًّا أيضًا، بعد أن استهدفت آلة الحرب شبكة الاتّصالات، وقطعت الخيط الأخير المتبقّي بيننا وبين أهلنا في غزّة.
ظلٌّ برتقاليّ
طفلٌ من نافذته:
يا اللّه، ما أجمل السماء
حين تصبح برتقاليّة!
لماذا تحمرُّ ليلًا؟
أهو الخجل؟
هو الرعب يا بنيّ،
أجابه رجلٌ في الرابعة والستين من عمره،
إنّه القتل.
إنّه الحديد في السماء،
لا يراك ولا يراني،
يطلق غلّه علينا،
ويعود.
نراقبه
كيف يستطيع
مزج الأحمر مع الأصفر،
وكيف يطلق البرتقاليّ علينا.
يقتل الأطفال،
النساء والرجال،
أنت
و
أنا.
مشهد غير طبيعي
وظّف الاحتلال الإسمنت في استخدامات مُغايرة لاستخداماته الطبيعيّة، فهذه المادّة التي نبني منها بيوتنا لنحتمي فيها، وتكون لنا أمنًا ومأمنًا من البرد والحرّ، صارت مادّةً للقتل بعد أن باتت ركامًا فوق رؤوس ساكنيها بفعل الصواريخ.
للموت قلب صخرة
أيّها الموت احترس منك،
احترس من الموتى
وأحبّتهم.
احترس
من الشاعر،
وكلام القصيدة،
من الحرف،
والكلمة.
احترس،
إنّك وحيدٌ وحيدٌ،
ليس لك أبٌ،
ولا أمٌّ،
ولا ابنٌ،
أخٌ، أو أختٌ.
احترس
من طفلٍ
لم يكمل رضاعته،
ولم يختبر المسافة إلى النهد،
احترس من صوته.
احترس
من الموت،
من البياض،
والأكُفّ،
واحتشاد الناس،
والمُشيّعين،
والقهوة،
وحبّة التمر،
وزغاريد الأمّهات.
احترس،
احترس
أيّها الوحيد.
مُربّع سكني
مع بداية الهجوم على قطاع غزّة، ومع تغوّل الاحتلال في القتل والتدمير وارتكاب الجرائم المُفجعة، اقتصرت أفعالنا، نحن البعيدين، على مراقبة الموت عن كثب، وعدّ ضحاياه، والإنصات إلى استغاثات المكلومين في ليل معتم. وكلّ ما تفعله الحروب أنّها تُعيد سؤال الجدوى إلى السطح، جدوى الفعل، وطبيعته، وهذا السؤال على وجه التحديد هو الذي جعلني أذهب إلى مرسمي كلّ يوم، وأُنتج أعمالًا فنيّة على صوت نشرة الأخبار.
لكنّه غاب!
لابسًا أبيضه،
عاد.
الآن أنهى
هذيانه الأخير،
من نبيذ القلب
عاد.
راقصًا
على نشيد الفقد،
حاضرًا في آخر مشهدٍ
من رقصته الأخيرة،
عاد.
ملوّحًا بيدٍ بيضاء
وابتسامةٍ،
عاد.
تاركًا لنا ما تبقّى
من هواءٍ
لنا،
غاب.
رأفت أسعد
فنّان فلسطيني من مواليد نابلس عام 1974. حصل على شهادة البكالوريوس في الفنون الجميلة من جامعة النجاح الوطنيّة عام 1998، حيث تخصّص في الرسم والتصوير. يركّز أسعد، بشكل أساسي، في محترفه الفنّي على الرسم والتصوير، إلّا أنّه أنتج أعمالًا تركيبيّة بالصوت والضوء، بالإضافة إلى أعمال الفيديو والأداء الحركي. ركّزت أعماله الأولى في الرسم على التجريد، وتطوّرت بعد ذلك لتركّز بشكل خاصّ على المشاهد الطبيعيّة الفلسطينيّة، ممّا أضفى على هذه الأعمال بعدًا فريدًا، وأسلوبًا يقع بين الواقعيّة والتجريد.
شارك أسعد في العديد من المعارض الجماعيّة، منها: بينالي هافانا الحادي عشر في كوبا، و"ألوان الحياة" في زاوية غاليري، فلسطين، ومؤتمر الإسكندريّة الدولي الأوّل لفنون منطقة حوض البحر المتوسّط في الإسكندريّة، مصر، وغيرها الكثير في فلسطين، وأوروبّا، واليابان، والولايات المتّحدة الأمريكيّة، والعالم العربي. وله العديد من المعارض الفرديّة، منها: معرض "رواية" في مؤسّسة عبد المحسن القطّان، رام الله، ومعرض "خرائط" في دلفينا ستوديو ترست، لندن، ومعرض في مدرسة سليد للفنون، في لندن، ومعرض في مدينة الفنون، باريس، كما شارك في ورشة "شطنا" في الأردنّ، والورشات الصيفيّة للفنون في ستيريا، النمسا.
الفنّان رأفت أسعد هو أحد مؤسّسي غاليري المحطّة ومديره الفنّي في رام اللّه، وهو عضو هيئة إداريّة لملتقى بلاطة الثقافي، وعضو اتّحاد الفنّانين التشكيليّين الفلسطينيّين.
يقيم أسعد ويعمل في رام اللّه