يروي معرض "حيوات غزّة العديدة" قصّة فلسطين عبر الحياة اليوميّة للغزيّين، الذين، كغيرهم من الفلسطينيّين، خاضوا معاناة العنف الاستعماري لعقود طويلة. يبرهن المعرض على أنّ ما هو شخصي هو سياسي في الوقت ذاته، خصوصًا بالنسبة إلى السكّان الأصليّين الذي يقبعون تحت الاستعمار، كما هو الحال في فلسطين. لا يهدف التركيز على غزّة إلى الإضاءة على سياق المنطقة فحسب، إنّما الإضاءة، أيضًا، على واقع فلسطيني أوسع، يختبر فيه شعب بأكمله أنواعًا مختلفة وعديدة للفصل العنصري الإسرائيلي.
يعكس المعرض حياة الغزيّين في مخيّمات اللّجوء، وأفعال الصمود، وحنين الفلسطينيّين للعودة إلى قُراهم، ويضمّ صورًا سينمائيّة التُقطت في عدد من مخيّمات اللّاجئين حول القطاع، وتوجد الآن ضمن مجموعة أرشيف المتحف الفلسطيني الرقمي. التقطت معظم هذه الصور المصوّرة الفرنسيّة جوس دراي في العام 1987، وهو ذات العام الذي اندلعت فيه الانتفاضة الفلسطينيّة الأولى، أمّا الجزء الآخر فقد التقطها المصوّر الصحفي الفلسطيني يوسف القطب في تسعينيّات القرن الماضي. وللأسف، لا تُعرف أسماء معظم الأشخاص في الصور، ولا أماكن تواجدهم اليوم.
في العام 1948، طُرد أكثر من 700 ألف فلسطيني من بيوتهم في مختلف أنحاء فلسطين التاريخيّة، 202.000 منهم صاروا لاجئين في قطاع غزّة، وتوزّعوا على ثمانية مخيّمات، هي: مخيّم جباليا، ومخيّم الشاطئ، ومخيّم النصيرات، ومخيّم البريج، ومخيّم المغازي، ومخيّم دير البلح، ومخيّم خانيونس، ومخيّم رفح. التُقطت صور هذا المعرض في مخيّمات مختلفة على امتداد قطاع غزّة، مصوّرة جوانب مختلفة من الحياة اليوميّة لسكّانه. أُنشئت مخيّمات جديدة منذ السابع من تشرين الأوّل/ أكتوبر لاستيعاب الغزيّين الذين نزحوا جرّاء الاعتداءات الإسرائيليّة المتواصلة. واليوم، يشكّل اللّاجئون ثلثَي سكّان غزّة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، معظمهم من النازحين.
عبر الروايات الشفويّة التي تتضمّنها مقاطع الفيديو، يأخذنا اللّاجئون الغزيّون في رحلة إلى المدن والقرى التي هُجّروا منها في العام 1948، ويتحدّثون عمّا تعنيه العودة لهم ولآبائهم وأجدادهم. هذه المقابلات الدافئة التي سجّلها المتحف الفلسطيني خلال العام 2013، تعرض للزوّار قصص الاقتلاع، ورحلات العودة المؤقّتة، وأحاديث الغزيّين عن قطعهم وأغراضهم الثمينة التي حافظوا عليها، والتي تربطهم بوطنهم وقراهم ومدنهم الأصليّة.
يقدّم هذا المعرض، أيضًا، أعمال الفنّانة الغزيّة اللّاجئة شهد أبو سلامة، التي تستكشف موضوعة العودة والصمود والحياة في غزّة. وبالجمع بين الصور الأرشيفيّة، ومقاطع الفيديو والأعمال الفنيّة، يسرد المعرض قصص اللّاجئين في قطاع غزّة، ويقدّمها عبر سلسلة من الرسوم الواقعيّة والبيانيّة من إنتاج تصوير فلسطين.
يواصل الفلسطينيّون العيش على هذه الأرض، متحدّين الواقع الاستعماري بصمود استثنائي. وعلى الرغم من ادّعاءات الخطاب الغربي، يؤكّد هذا المعرض على أنّ الأمر ليس معقّدًا على الإطلاق: شعب ما زال يناضل ضدّ الجشع والعنف الاستعماريَّين من أجل تحرّره منذ أكثر من 75 عامًا.