نهى بطشون: عندما تتحوّل الذاكرة إلى فِعل ترميم
كغيرها من الفلسطينيّين، أُجبرت نهى بطشون على مغادرة منزلها في حيّ العجمي في مدينة يافا إبّان نكبة العام 1948، وانتقلت إلى عمّان، وكانت حينها في الثانية عشرة من عمرها.
قسوة الصدمة أفقدت نهى ذاكرتها الأكثر حميميّة حول مدينتها وحياتها فيها، وصارت تسأل أصدقاءها عن يافا مُستعينة بذاكرتهم. ظلّت على هذا الحال طوال 14 عامًا، إلى أن ذهبت في رحلة إلى سورينتو في إيطاليا، حيث المشاهد الطبيعيّة التي تشبه إلى حدّ كبير طبيعة فلسطين ومدنها الساحليّة، وبدأت ذاكرتها تنتعش شيئًا فشيئًا مع رائحة زهر البرتقال في إحدى البيّارات الإيطاليّة، لينهار السدّ الذي بنته داخلها، وتتدفّق ذاكرتها مثل شلّال، مُعيدة إليها صورًا حيّة من طفولتها في يافا المفقودة.
وخوفًا من ضياع هذه الذاكرة مرّة أخرى، بدأت نهى بتدوينها على شكل قصص وحكايات عنها وعن عائلتها، كما بدأت بجمع الأثواب واللّوحات لتحميها من الضياع.
بعد سنوات من الجمع، وحرصًا منها على حفظ الذاكرة الفلسطينيّة الجمعيّة، تبرّعت نهى بطشون بجزء من مجموعتها الإثنوغرافيّة والفنيّة لصالح مجموعة المتحف الفلسطيني الدائمة، لتحصل على الرعاية المناسبة، وتُتاح للجمهور الأوسع.
نهى بطشون صحفيّة وُلدت في مدينة يافا في ثلاثينيّات القرن العشرين، وشهدت النّكبة عام 1948، وهُجّرت مع عائلتها قسرًا إلى عمّان. عملت في مجال التعليم في الأردنّ والبحرين، ثمّ التحقت بهيئة الإذاعة البريطانيّة في أواخر الخمسينيّات، ثمّ عملت في هيئة الإذاعة والتلفزيون الأردنيّة، وكانت الصحفيّة المرأة الأولى في حينه. انتقلت لاحقًا للعمل في مجال التّحف والأعمال الفنيّة، وافتتحت غاليري تحت مسمّى (ذا غاليري) لعرض هذه الأعمال، ولها سيرة ذاتيّة بعنوان «راهبة بلا دير»، صدرت في العام 2010.
للاستماع إلى المدوّنة الصوّتية "ذاكرة البرتقال"، من هنا