نظم المتحف الفلسطيني ندوته الثالثة ضمن فعاليات «قلنديا الدولي»، في مبنى المتحف الفلسطيني في بيرزيت، حول معرضه الخارجي الأول «أطراف الخيوط: التطريز الفلسطيني في سياقه السياسيّ» والذي نظم في بيروت في أيار ٢٠١٦، والبحث الذي رافقه، وحول حضور التطريز في المشهد الفني والعمل المجتمعي. وتحدث في الندوة كل من: ريتشل ديدمان (قيّمة معرض أطراف الخيوط)، وفريدة العارف العمد، رئيسة جمعية إنعاش الأسرة، والفنان سليمان منصور، وأدارت الحوار الكاتبة والفنانة تانيا تماري ناصر.
من خلال تاريخها الشخصي افتتحت تانيا تماري ناصر الندوة بالحديث عن تطور التطريز الفلسطيني وفق ما عايشته منذ الأربعينيات وانتقال التطريز من نطاق العمل الخاص إلى العام، مستحضرة في حديثها سيدات ممن أسهمن بشكل بارز في تطور التطريز خاصة في مدينتي رام الله والبيرة مثل إلن منصور وتانيا زعرور، اللتين أسستا أول تعاونية للتطريز في رام الله.
تحدثت قيمّة معرض «أطراف الخيوط» ريتشل ديدمان، التي قضت سنتين في بحثها حول تاريخ التطريز الفلسطيني، وأجرت 60 مقابلة مع مجموعة من المطرِّزات والمطرزين في فلسطين والأردن ولبنان، عن أن التطريز يكتسب جانبًا عاطفيًا ويحمل بعدًا إنسانيًا في جوهره ويمكن أن نسافر من خلاله عبر الجانب الشخصي والعام. كما تحدثت عن أن الهدف من المعرض هو إظهار تاريخ التطريز قبل الأربعينيات، وكيف أسهمت الحداثة في تغيير شكل الملابس والتعامل مع التطريز كعمل حيوي، إضافة إلى أن التطريز وبصفته أحد أشكال التاريخ المادي؛ يعكس بحساسية شديدة المشهد الاجتماعي والسياسي الذي أنتج ضمنه. كما يتقصى المعرض الطرق التي يمكن بواسطتها فهم التطريز على أنه عمل سياسي ضمني-بموجب كونه ينتج بواسطة أشخاص لترتديه الأجساد - بالإضافة إلى الطرق الصريحة والعلنية التي تقاطع فيها التطريز مع الأحداث السياسية بصورتها الأكبر خلال الأعوام المئة المنصرمة.
واستعرضت ديدمان في مداخلتها أمثلة على المستويات التي كان يحاول المعرض أن يتحدث عنها بدءًا من الثياب اليومية وما يمكن أن يقرأ من خلالها حول الحياة اليومية، إضافة إلى الحديث عن النسيج والصناعة وتأثر التطريز بالحياة الاقتصادية إبان الانتداب البريطاني ودخول الأنسجة ونقل التصاميم الأوروبية إليه، ثم تأثير النكبة وانعكاس صعوبة الحال في المخيمات على التطريز حيث انتشر التطريز الآلي، إضافة إلى انتشاره كحرفة ليكون مصدر دخل للعديد من النساء، أما في سبعينيات القرن الماضي فبدأ التطريز يظهر كرمز للهوية والتراث الفلسطيني، لتتجلى رمزية الثوب الوطنية في الثمانينيات حين بدأت النساء مع اندلاع انتفاضة عام ١٩٨٧ بتطريز رموز ذات طابع وطني وصريح على أثوابهن كالعلم الفلسطيني وغيرها، لا سيما في ظل حظر الإسرائيليين أي تمثيلِ فني لألوان العلم الفلسطيني، وهكذا صار إنتاج الأثواب وارتداؤها فعل ممانعة، وصولًا إلى التطريز في الوقت الحاضر واستخداماته التجارية المختلفة، وظهور جيل من المصممين والفنانين الشباب يطورون التطريز بما يتجاوز «الثوب».
وعن التطريز في المشهد الفني الفلسطيني قال الفنان سليمان منصور إن التطريز كان أكبر ملهم للفنانين الفلسطينيين خاصة في فترة السبعينيات والثمانينات للتعبير عن الهوية الفلسطينية، والذي كان يمثل عنصرًا أساسيًا في الأعمال الفنية في تلك الفترة. حيث رسم التطريز بالأدوات الفنية المختلفة، كما كان حاضرًا حينما قررت مجموعة من الفنانين الفلسطينيين مقاطعة إسرائيل والاعتماد في الرسم على مواد من البيئة المحلية الفلسطينية حيث استعمل التطريز مع الخشب والجلد وغيرها، كما استعمل لوحده كعمل فني في إنتاجات العديد من الفنانين، مستعرضًا في مداخلته نماذج من الأعمال الفنية التي كان التطريز حاضرًا فيها لأبرز وجوه الفن التشكيلي الفلسطيني مثل؛ نبيل عناني وخليل رباح وكامل المغني وعبد الرحمن المزين وغيرهم.
من ناحيتها تحدثت فريدة العارف العمد عن إسهام جمعية إنعاش الأسرة في الحفاظ على إرث التطريز وتوسيع العمل به، من خلال حرص الجمعية على إنتاج المطرزات واقتنائها ودعم إنتاج النساء في هذا المجال، إضافة إلى تأسيس متحف «جمعية إنعاش الأسرة» كجزء من الحفاظ على الهوية الفلسطينية ممثلة بفن التطريز، ودور الجمعية الريادي في طباعة التطريز على الورق وتوفيره كمادة علمية. كما عُرض خلال الندوة فيلم «لمطرِّزات» والذي أنتج كجزء من معرض «أطراف الخيوط» والذي يتيح المجال لإبراز صوت النساء اللاتي لا زلن يمتهنّ التطريز في فلسطين ولبنان والأردن واللاتي نادرًا ما يؤخذ بذكرياتهن، أو يتم الاستفادة من خبراتهن وآرائهن في هذا السياق. اختتمت الندوة بمداخلات للعديد من النساء الحاضرات اللواتي كن في معظمهن جزءًا من البحث الذي قامت به قيّمة المعرض، واللواتي تفاعلن بشكل كبير مع مضمون الندوة والفيلم.
Image