بيرزيت : افتتح المتحف الفلسطيني، اليوم الأربعاء، مرافق جديدة متخصّصة في حفظ وترميم الأقمشة والأثواب والمُطرّزات التراثيّة، والتي تعدّ جزءًا حيويًّا من التراث المادّي الثقافي الفلسطيني. تتضمّن المرافق فضاء جديدًا مهيّئًا لحفظ وتخزين الأقمشة، ومختبرًا جديدًا لترميم الأقمشة التراثيّة، يقوم عليها فريق المجموعات في المتحف، تمّ تجهيزها لتلبية احتياجات صيانة مجموعة المتحف الدائمة والمجموعات الخاصّة بالمؤسّسات والأفراد.
تضمّن تجهيز المخزن توفير غرفة منفصلة بدرجة حرارة ورطوبة ثابتتَين، مع كامل مستلزماته، من مستلزمات تغليف وتأثيث مخصّصة للاستخدام المتحفي، في حين تطلّب تجهيز المختبر تزويده بالمعدّات اللّازمة للتكييف والتعقيم وتحضير المواد الحافظة. وكان فريق وحدة المجموعات والترميم في المتحف الفلسطيني قد حصل على تدريبات متخصّصة حول ترميم الأقمشة والأثواب التاريخيّة على مدار شهر خلال العام 2022 في متحف فكتوريا وألبرت في لندن؛ أحد أكبر متاحف العالم للفنون والتصميم، أتيحت خلالها للفريق فرصة التعامل مع أنواع مختلفة من الأقمشة، والتدرّب على صباغة وتحضير موادّ الترميم الكيماويّة، وممارسة الترميم الفعلي على أثواب من مجموعة المتحف الفلسطيني، والتي سيتمّ استكمال العمل عليها بتعاون مستمرّ مع متحف فكتوريا وألبرت.
يرافق افتتاح المرافق المتخصّصة إطلاق برنامج توعوي يقدّم الإرشاد والتدريب للمؤسّسات والأفراد المهتمّين في مجال حفظ التراث المادّي في فلسطين، كما يرافقه برنامج عامّ وتعليمي موجّه للجمهور، يهدف إلى رفع الوعي حول الممارسات المُثلى لحماية وحفظ التراث الثقافي، وخصوصًا المجموعات الإثنوغرافيّة والمُطرّزات في فلسطين، من خلال سلسلة من ورش العمل والمحاضرات والجولات ستعقد خلال الأشهر القادمة، إلى جانب إصدار دليل إرشادي خاصّ بترميم الأقمشة، سيتمّ توزيعه على أصحاب المجموعات.
بدأ حفل الإطلاق بترحيب من مدير عام المتحف، د. عادلة العايدي-هنيّة، مُعبّرة عن سعادتها بإطلاق هذا المشروع الذي سيوفّر مكانًا ملائمًا لكلّ من يحتاج إلى تحقيق الاستدامة للأثواب المُطرّزة، هذا الجزء الغني من التراث المادّي وغير المادّي الفلسطيني. كما عبّرت عن شكرها الخاصّ لمؤسسة (ألِف) على دعمها السخي لتوفير سُبُل حماية التراث الفلسطيني المهدّد، كما شكرت شريك المتحف، متحف فكتوريا وألبرت، على دعمه التقني في بناء قدرات المتحف الجديدة، ومتحف اللّباس الإسباني "موسيو ديل تراخي" على تقديمه المشورة التقنيّة على مدار عدّة سنوات في مجال تخزين الأقمشة.
وقدّم مدير وحدة المجموعات والترميم في المتحف الفلسطيني، بهاء الجعبة، عرضًا حول مراحل تجهيز المخزن والمختبر والتدريب، وأوضح الأهميّة الكبيرة لتجهيزها بما يخدم مجموعة الأثواب المحفوظة في المتحف، مُضيفًا أنّ المختبر سيفتح أبوابه لاستقبال ترميم المجموعات الخاصّة بالمؤسّسات والأفراد من الراغبين في الحفاظ على مجموعاتهم خلال النصف الثاني من العام 2024.
ومن جهتها، قالت مدير البرامج الدوليّة في متحف فكتوريا وألبرت، إفجينيا رافتسوفا: "كنّا سعداء بدعم المتحف الفلسطيني على امتداد هذا المشروع، لقد كان تعاونًا لا يُنسى، ومكافئًا لجميع المنخرطين فيه، ونحن نتطلّع إلى مزيد من التواصل والتعاون لإنجاز أبحاث وأعمال مشتركة في المستقبل".
والجدير بالذكر أنّ افتتاح هذه المرافق الجديدة يعزّز، وبشكل عملي، قرار اليونسكو للعام 2021، والذي ينصّ على إدراج التطريز الفلسطيني ضمن لائحة التراث الثقافي العالمي غير المادّي، كما يحقّق أحد أهداف المتحف المتمثّلة في توثيق التراث الثقافي الفلسطيني، وحمايته وإتاحته للمجتمعات المحليّة والجمهور الأوسع. وكان المتحف الفلسطيني قد بدأ الخوض في هذا المسار مع إقامة أوّل معرض له في بيروت عام 2016 بعنوان "أطراف الخيوط: التطريز الفلسطيني في سياقه السياسي"، تبعه إخراج وعرض نسخة موسّعة عنه في العام 2018، أُقيم في مقرّه في بيرزيت، بعنوان "غَزْل العروق: عين جديدة على التطريز الفلسطيني"، ونسخة محدّثة عُرضت في دولة قطر خلال العام 2022، بعنوان "غَزْل العروق: حياكة تاريخ فلسطين".
وتمكّن المتحف الفلسطيني من تشكيل مجموعته الدائمة الخاصّة من الأثواب عام 2021، بفضل نجاح حملته للتمويل الجماعي "80 قصّة وثوب، من الشَّتات للبلاد"، استعادت نماذج نادرة من الأثواب النادرة من الولايات المتّحدة الأمريكيّة إلى الوطن، والتي عمل لاحقًا على تشخيص وضعها المادّي وحاجتها إلى الترميم، كما عمل على توثيقها بدقّة وتصويرها لتصبح في متناول الجمهور عبر موقع المتحف الإلكتروني.
وفي سياق ما يقدّمه من خدمات تلبّي احتياجات قطاع مُقتني الأثواب التاريخيّة، فقد أنجز المتحف الفلسطيني في مطلع العام 2022 مسحًا ميدانيًّا لمجموعة كبيرة من القطع التراثيّة، وصل عدد الأثواب منها إلى 5000 ثوب، تعود لأصحاب مجموعات في فلسطين والأردنّ والخليج ولبنان، صبّت في قاعدة بيانات المجموعات التراثيّة التي يحتفظ بها أفراد ومؤسّسات أهليّة في المنطقة العربيّة، تمهيدًا لتنفيذ مشاريع مستقبليّة لإنتاج ونشر المعرفة حول الأثواب الفلسطينيّة وترميمها وعرضها.
ويُذكر أنّ المتحف الفلسطيني جمعيّة غير حكوميّة ثقافيّة مُستقلّة، مُكرّسة لتعزيز ثقافة فلسطينيّة مُنفتحة وحيويّة على المستويَين المحلّي والدولي. يُقدّم المتحف ويساهم في إنتاج روايات عن تاريخ فلسطين وثقافتها ومجتمعها بمنظور جديد، كما يوفّر بيئة حاضنة للمشاريع الإبداعيّة والبرامج التعليميّة والأبحاث المُبتكرة، وهو أحد أهم المشاريع الثقافيّة المُعاصرة في فلسطين.
انتهى
Image