قال المهندس فراس طبيلة، مدير عام شركة طبيلة تارجت المتحدة للهندسة والإعمار، إن مشروع بناء المتحف الفلسطيني في بيرزيت شكل تحدياً كبيراً بالنسبة لشركته كمقاول فلسطيني محلي، وكذلك بالنسبة للشركات والمؤسسات والأفراد الذين هم جزء من المشروع، مؤكداً على أن المبنى الذي صممه المكتب المعماري الإيرلندي هينيغان بينغ يحتوي على تفاصيل معمارية وإنشائية بالغة التعقيد، ومواد وأنظمة متطورة جداً على الصعيدين المحلي والإقليمي.
ويرى طبيلة أن المقاول الفلسطيني المحلي برهن من خلال إنجاز المشروع ضمن الفترة الزمنية المحددة، وبالمستوى الفني المطلوب، على قدرته الفنية العالية والكفاءة المهنية والإدارية اللازمتين لتنفيذ مشروع من هذا القبيل، والقدرة على التنافس مع المقاولين الإقليميين والعالميين بكل قوة.
وأضاف أن مشروع المتحف الفلسطيني، الذي سيتم افتتاحه أمام الجمهور في العام المقبل، هو نموذج يحتذى به من حيث تكنولوجيا البناء المستخدمة والحلول الريادية للتحديات الإنشائية التي طورها المقاول المحلي لإتمام المشروع، بالتوافق مع التصميم المعماري، مؤكداً أن عمل شركته في هذا المشروع جمع بين التحدي والمتعة والاستفادة، وسيساهم في تسخير كافة الخبرات المكتسبة والكفاءات المتراكمة كمقاولين محليين في محاولة جادة لدخول دائرة المنافسة على الصعيد الإقليمي والعالمي.
وتناول طبيلة بعض التحديات التي واجهتهم كمقاولين في هذا المشروع، رغم أن الشركة عملت في مشاريع ريادية من قبل، مثل إنشاء محطة توليد الطاقة بواسطة الخلايا الشمسية في أريحا، ومشروع السفارة الكندية في عمان، وغيرها، إلا أن التعقيدات في مبنى المتحف، من حيث طبيعة الهندسة والشكل، كانت مختلفة عن تجاربهم السابقة. وكان أحد أهم التحديات التي واجهتهم كمقاولين محليين هو نجاحهم في تطوير وابتكار العديد من التفاصيل الفنية وتطبيقها، مع المحافظة، في نفس الوقت، على التصميم البصري (Design Visual Intent).
ويشير طبيلة إلى أن تلبيس المبنى بالحجر بطريقة التثبيت الميكانيكي الجاف، أي دون استخدام الباطون، كان تحدياً كبيراً: "يوجد عدد من المشاريع التي استخدمت هذه الطريقة إقليمياً في فلسطين والأردن والخليج العربي، ولكن خصوصية المتحف الفلسطيني تكمن في أن الأسطح الحجرية غير منتظمة، وتحتاج إلى كافة مهارات الإدراك وحسابات الهندسة الوصفية لتنفيذ هذه الطريقة، بالإضافة إلى أن التجويف بين الأسطح الحجرية والواجهات والأسقف المسلحة يتراوح ما بين 30 سم إلى 90 سم، وهذان أمران نادرا الحدوث على مستوى مبنى بالكامل.
ويتحدث طبيلة عن هذه التقنية قائلاً: "لا يوجد في فلسطين مهنيون مختصون لتبيث الحجر ميكانيكياً (دون باطون)، فهذه مهنة جديدة في فلسطين، ولتطبيقها احتجنا إلى مهارات فنيين وعمال تمزج بين المعرفة ببناء الحجر والألمنيوم وأعمال الطوبار والحديد، وذلك من أجل تدريبهم وتأهيلهم للقيام بأعمال تكسية الحجر. وقبل المباشرة الفعلية بأعمال التكسية، قمنا بتهيئة فريق مكون من بعض الشركاء أصحاب الخبرة الطويلة في مجال الحجر، والمهندسين المعماريين الذين قاموا بإعداد المخططات التنفيذية ومهندسي الموقع ومراقبين وفنيين وعمال، من أجل محاولة تطبيق ما تم إعداده من مخططات تنفيذية وتفاصيل، وقد عمل هذا الفريق، والمكون من 15 شخصاً، لمدة ثلاثة أيام دون كلل في محاولات مضنية من الفك والتركيب للوصول إلى الطريقة المثلى في تركيب الحجر. تلى ذلك عقد ورشات عمل لتدريب فرق أخرى، وأصبح لدينا الآن 6 فرق محترفة تعمل على تكسية الأسقف والواجهات الخارجية للمبنى".
ويشير طبيلة إلى أن الكثير من الشركات الهندسية خارج فلسطين تتابع أخبار المتحف عن كثب، مضيفاً: "مشروع المتحف الفلسطيني ريادي في المنطقة، ونحن على اتصال بكثير من الاستشاريين في الأردن مثلاً، والذين يسألون باستمرار عن تطور المشروع وكيفية وضع حلول لتحديات مختلفة مثل التلبيس الخارجي للحجر بالتثبيت الميكانيكي الجاف، فهناك مشاريع في الأردن وفلسطين واجهت مشاكل فنية متعددة، وكانت الشركات الاستشارية تعود إلينا لمعرفة التكنولوجيا التي نستخدمها، وكثيراً ما طلب منا إرسال صور عن كيفية التعامل مع مختلف التحديات والمشكلات".
ويشير طبيلة إلى أن المحافظة على السلامة الإنشائية للمبنى كانت تحدياً آخر تم التغلب عليه، ويقول: "جميع معايير التصميم التي يجب أن نراعيها حسب ما جاء في المواصفات الفنية للمشروع هي، في كثير من الأحيان، أعلى سقفاً من الكودات الفلسطينيية ومن كثير من الكودات العالمية، بما في ذلك سرعة الرياح التصميمية، ووزن الثلوج التصميمي، وشدة الزلازل التصميمية. ومن أجل تحقيق ذلك، أعددنا نماذج إنشائية ثلاثية الأبعاد لكافة عناصر المبنى، وقمنا بعمل محاكاة واقعية للقوى التي قد تؤثر عليه، وتم تصميم كافة العناصر الإنشائية بناءً على هذه الدراسة. كما عالجنا جميع نقاط الضعف بأنفسنا، بدعم من شركة اتحاد المقاولين (CCC) بعد أن رفضت شركة ألمانية متخصصة، والتي تعدُّ من أهم الشركات في هذا المجال، أن تضع حلولاً لنقاط الضعف، مشيرين إلى أن تصميم المبنى معقد بالنسبة لهم، وبالرغم من ذلك ساعدونا، مشكورين، بتدقيق حساباتنا وتأكيد صحة استنتاجاتنا".
ويحتوي المتحف في واجهته الغربية على جدار مسلح معلق "hanging wall" من السقف، ويشير طبيلة إلى أن التحدي كان في صب الباطون، حيث تم استخدام تقنيات لصب الباطون على أجزاء وربطها ببعضها البعض، حتى لا تتضرر أو تسبب أية أضرار. أما التحدي الأكبر فهو تلبيس الحجر للجدار المعلق، والذي لم يتم بعد، وأحد الحلول التي يتم العمل عليها الآن هي الخلط بين التلبيس الميكانيكي الجاف والرطب.
وفيما يتعلق بالعمالة الفلسطينية ذات المهارة العالية، قال طبيلة إنه كان من الصعب جداً استقطاب العمال المهرة في هذا المشروع، كما في مشاريع أخرى في فلسطين، خاصة وأن الخبراء منهم يتوجهون في العادة إلى فلسطين المحتلة عام 1948 للعمل فيها، حيث يتقاضون رواتب أعلى. وأضاف: "مشروع المتحف يتطلب عمالة خاصة مختلفة عن الكثير مما تتطلبه المشاريع الأخرى في الضفة الغربية، فنحن بحاجة إلى عمال مهرة جداً، وفي الوقت نفسه قادرين على الالتزام بالقواعد والإجراءات الصارمة التي تتعلق بالأمان والسلامة والحفاظ على البيئة داخل المشروع وحوله، وغيرها".
ويؤكد طبيلة على أنهم استفادوا كثيراً من الشركات الريادية التي تعمل على المشروع، مثل شركة اتحاد المقاولين، ويشير إلى أنهم قاموا بإعادة هيكلة الشركة ليتمكنوا من العمل بشكل أكثر فاعلية، ويقول: "طورنا مستوى الشركة على أكثر من صعيد، وبالأخص إدارياً، وقمنا بتشكيل طاقم لإعداد المخططات التنفيذية، أغلبه من المهندسين المعماريين الأكفاء لدينا، حيث أن غالبية مخططات المشروع التنفيذية تم استنباطها من مخططات ثلاثية الأبعاد قمنا بإعدادها وتطويرها.
ويذكر أن مشروع المتحف الفلسطيني هو عبارة عن ائتلاف بين شركة طبيلة تارجيت وشركة طبيلة للهندسة والمقاولات، بالإضافة إلى مجموعة من الشركات الفلسطينية من فلسطين والشتات، مثل شركة بروجاكس العالمية وشركة اتحاد المقاولين، إضافة إلى شركة عرب تك جردانه، وشركة ميراج ومشاتل السبع.