أنهى المتحف الفلسطيني العمل على المشروع الفني الجديد "المنطار" للفنان سليمان منصور، والذي يطل في حدائق المتحف الفلسطيني كواحد من أهم الأعمال المكلّفة التي نفذها الفنان مؤخرًا، في سياق معرض المتحف "اقتراب الآفاق: التحولات الفنية للمشهد الطبيعي"، كما جاء هذا التكليف ضمن توجهات المتحف في استضافة وتنفيذ أعمال فنية دائمة في حدائقه، وانطلاقًا من حرصه على تعزيز الارتباط بالتراث المعماري الفلسطيني.
ونُفذ هذا العمل بناء على سكتش فني قدمه الفنان سليمان منصور قبل أن يُترجمه المتحف إلى مخطط هندسي ويباشر ببنائه. ويحاكي هذا العمل فكرة إعادة إحياء بناء المناطير أو قصور المزارع المنتشرة في ريف فلسطين في حدائق المتحف، وتفعيل الحياة فيها، حيث تشكل هذه المناطير معلمًا مهمًا في المشهد الريفي المحلي، ومثل غيرها من أنماط العمارة التقليدية، فهي مهددة بالاندثار. وعدا عن القيمة الفنية لاحتضان هذا العمل في حدائق المتحف، فإنه يمثل أيضًا قيمة تعليمية هامة، حيث أتاح المتحف لمجموعات من طلبة الجامعات من التخصصات الهندسية، دراسة حالة بناء المنطار، والاطلاع على مراحل بناءه، كما سيصمم برامج تعليمية لطلبة المدارس والجامعات للتفاعل مع العمل، والتعرف على تاريخ "المناطير" في فلسطين.
وعبّر الفنان سليمان منصور عن تقديره للمتحف الفلسطيني، لإيمانه بفكرة العمل، وتنفيذه على أكمل وجه، مضيفًا "تحمل فكرة هذا العمل قيمة عاطفية تربطني بذكريات عن المنطار والمشهد الطبيعي الفلسطيني بشكل عام، والتي تمثلت في مختلف أعمالي الفنية. أعدت رسم مشهد المنطار الذي لازمني سنين طويلة، لأعيده إلى الحياة بعد أن توقفنا عن بناءه منذ أكثر من ثمانين عامًا".
تقول د. عادلة العايدي – هنية، مدير عام المتحف الفلسطيني: "انضم هذا العمل إلى مجموعة أخرى من الأعمال الفنية المكلّفة المنتشرة في حدائق المتحف، وذلك انطلاقًا من توجهاتنا في تغذية حدائق المتحف بتدخلات فنية دائمة، حيث ننظر إلى حدائق المتحف ليس فقط كبيئة تعليمية تمثل التاريخ النباتي في فلسطين، بل أيضًا كبيئة فنية تفاعلية، لإظهار هذا الانسجام بين الطبيعة والثقافة. ومن ناحية أخرى فإننا نحرص على متحفة الممارسات الثقافية؛ بمعنى تأطيرها وإبرازها كأثر واضح في الحدائق، لتكون متاحة للزوار بشكل دائم ولمختلف الأجيال".
واختار الفنان سليمان منصور بناء نموذج حيّ يمثل صورة طبق الأصل عن المناطير التي تنتشر في الريف الفلسطيني، بالشكل الدائري المخروطي الذي يعتليه «العريش»، حيث تم بناؤه بالطريقة التقليدية، وبحجارة طبيعية مماثلة لتلك المستخدمة في بناء السناسل الحجرية المنتشرة في الجبال الفلسطينية. ويكتسب هذا العمل أهمية خاصة، ليس فقط من حيث الفكرة والشكل المعماري، إنما أيضًا من حيث طريقة البناء والتنفيذ.
في هذا السياق، تقول عبور الحشاش، مديرة البرامج العامة والإنتاج في المتحف "يعتبر تنفيذ هذا العمل من ناحية هندسية سابقة، فقد حافظ المتحف على الشكل التقليدي للبناء، وما يمثله هذا من قيمة تاريخية، مع استخدام تقنيات بناء تقليدية ولكن ومدروسة، مضيفة: "تم هذا العمل بعد بحث واستشارات من قبل المختصين، حيث أشركنا أساتذة من جامعة بيرزيت ومهندسين معمارين يحلمون خبرة مهمة، وهذا ما يضيف قيمة أخرى للعمل، ويفتح المجال أمام إعادة بناءه وإحيائه في فلسطين".
يُذكر أن المنطار، وجمعها مناطير، هي عمائر حجرية تنتشر في المنحدرات الجبلية والأودية في الريف الفلسطيني. ارتبطت المناطير بالمواسم الزراعية، واستعملت طويلًا كبيوت صيفية للعائلات القروية خلال أشهر «التعزيب»، حيث تقضي العائلة أشهر الصيف بين بساتين والحقول في مواسم الحصاد. تُبنى القصور من الحجارة الطبيعية غير المهذبة المتوفرة في البيئة المحيطة، وتُسمى حجارة «الرجادي»، ولا يستخدم في بنائها أية مؤونة بين حجارتها.