غزّة الباقية
إذا كان لا بدّ أن أموت
فلا بدّ أن تعيش أنت
لتروي حكايتي
لتبيع أشيائي
وتشتري قطعة قماش
وخيوطًا
(ولتكن بيضاء وبذيل طويل)
كي يبصر طفل في مكان ما من غزّة،
بينما يحدّق في السماء
منتظرًا أباه الذي رحل فجأة
دون أن يودّع أحدًا
ولا حتّى لحمه
أو ذاته،
يبصر الطائرة الورقيّة
طائرتي الورقيّة التي صنعتها أنت
تحلّق في الأعالي
ويظنّ للحظة أنّ هناك ملاكًا
يعيد الحبّ.
إذا كان لا بدّ أن أموت
فليأتِ موتي بالأمل
فليصبح حكاية.
قصيدة للأستاذ الشهيد رفعت العرعير*
يقدّم معرض "غزّة الباقية" جوهر سياق القضيّة والتجربة الفلسطينيّة، بالتركيز على غزّة، أرضًا وشعبًا. يهدف المعرض إلى نشر المعرفة والتعليم وسرد قصص المواقع التاريخيّة والممارسات الثقافيّة في غزّة، وتقديم لمحة عن الفنون والإلهام وفرادة المدينة، وما تبقّى منها في ظلّ هذه الفترة العصيبة من تاريخ التجربة الفلسطينيّة.
في ظلّ القصف اللّامنتهي، والذي يطغى ضجيجه على صوت الحياة اليوميّة والتراث وكلّ أشكال التعبير الفنّي والإبداع التي يجترحها الفلسطينيّون، يسعى هذا المعرض إلى النظر إلى ما وراء ستار مسرح الحرب والعدوان. ومن خلال سرد قصص غزّة والتصدّي للتضليل الإعلامي، يهدف معرض "غزّة الباقية" إلى تزويد الجمهور العالمي بمعلومات ومراجع لفهم غزّة ضمن سياق فلسطين والمنطقة والعالم أجمع، موظّفًا النصوص والرسومات والمواد السمعيّة والبصريّة لاستكشاف الجوانب التاريخيّة والاقتصاديّة والجغرافيّة والديموغرافيّة والإبداعيّة للحياة فيها.
* رفعت العرعير (1979–2023): أستاذ في الأدب العالمي والكتابة الإبداعيّة في الجامعة الإسلاميّة في غزّة، ومحرّر كتاب "غزّة تكتب: قصص قصيرة لكتّاب شباب من غزّة، فلسطين" (2013). سقط شهيدًا في غارة جويّة إسرائيليّة في 6 كانون الأوّل 2023، مع شقيقه وابن أخيه وشقيقته وثلاثة من أطفالها.
* في ذكرى الراحل حكمت ماهر قدّورة، رحم الله روحه وأسكنه فسيح جنّاته.
الفيديو التعريفي
يغطّي المعرض عددًا من المحاور التي تضيء على جوانب مركزيّة من تاريخ فلسطين والقضيّة الفلسطينيّة، مستعرضًا في بدايته لمحات عن تاريخ وجغرافيا فلسطين، ومتتبّعًا صورة فلسطين في المخيال العالمي عبر قرون طويلة، وفلسطين ما قبل الحدود، مرورًا بالخطّة العسكريّة البريطانيّة وخطّة التقسيم، وصولًا إلى واقعها اليوم، بتقطّع خريطتها والتغيّرات التي طرأت عليها، ومُعرّجًا على تاريخ غزّة منذ الكنعانيّين والرومان والصليبيّين، إلى يومنا هذا.
ينتقل المعرض إلى تاريخ الحروب الطويلة التي عاشتها هذه الأرض، والمطامع السياسيّة والاقتصاديّة للدول الكبرى في مواردها وإرثها الحضاري، والسرقات الأثريّة التي تعرّضت لها فلسطين، وغزّة على وجه الخصوص، منذ عهد الانتداب البريطاني إلى يومنا هذا، وما رافق ذلك من تداعيات سياسيّة وأثر مباشر على الأحداث اليوميّة وحياة السكّان الأصليّين، مرورًا بالمجازر والتطهير العرقي الممنهج بدءًا من نكبة العام 1948، وصولًا إلى نكبة العام 2023 وحرب الإبادة على قطاع غزّة.
يستعرض المعرض صمود أهل الأرض الفلسطينيّة، ويضيء على إرثهم الثقافي والفنّي وتعبيراتهم المتعدّدة عن علاقتهم بالأرض وتجذّرهم فيها، بدءًا من تطويرهم لموسيقى تُحاكي تعلّقهم الاستثنائي بأرض عمّروها لقرون طويلة، وتحويل هذه الموسيقى إلى إيقاعات للرقص الشعبي والدبكة التي تستوحي خطواتها من موروث عريق يبدأ من الأرض وينتهي بها، ثمّ ينتقل إلى الغرزة والتطريز والزيّ الشعبي الذي شكّل واحدة من لغات حبّ الأرض وإبداع أزياء تحمل صورتها في عروق من السرو والورد والسنابل، ويتوقّف في لقطة مكثّفة عند ما اجترحه الفلسطينيّون من فنون بصريّة كانت الأرض موضوعها وغايتها، والمشهد الطبيعي عنوانها ومحورها، كما يضيء على تاريخ السينما في غزّة بين الصعود والهبوط منذ خمسينيّات القرن الماضي إلى اليوم.
يعرّج المعرض، أيضًا، على التاريخ الزراعي للأرض الفلسطينيّة في غزّة منذ عهد الكنعانيّين إلى يومنا هذا، مضيئًا على أبرز الممارسات الزراعيّة والمساحات المزروعة في القطاع، وصولًا إلى زراعة الورد وتصديره واعتياش سكّان غزّة من التجاره فيه لسنوات طويلة، قبل أن يُعزل القطاع، ويُفصل عن امتداده الطبيعي، وتموت أزهاره على المعابر دون أن تتمكّن من قطع الحدود.
وفي ذروة الحدث، ومع تعاظم المجزرة، يوثّق المعرض سلسلة الحروب الوحشيّة على فلسطين منذ وعد بلفور والانتداب البريطاني، مرورًا بالنكسة وانتفاضة الحجارة، وانتهاء بانتفاضة الأقصى عام 2000، كما يوثّق للحروب والمجازر التي ارتكبها العدوان الإسرائيلي في قطاع غزّة منذ العام 2000، انتهاء بحرب الإبادة الأخيرة، مستعرضًا تداعيات الحصار والحرب، وما ترتّب عنهما من تجويع وقتل وتهجير لأكثر من مليوني فلسطيني في غزّة ما زالوا يواجهون الموت لحظة بلحظة، كما يتحدّث عن الحرب بلسان من عايشوها، عبر قصص حيّة وشهادات لأطفال ونساء ورجال فقدوا أحبّتهم، عن أمنياتهم الأخيرة، وعن عالم ما تحت الأنقاض، والمعتقلات الوحشيّة، والطعام الذي لا يكفي عصفورة، وعن قصائدهم قبل الموت، وعن اليُتم، وطابور الحمّام، والنزوح حفاة الأقدام، ورؤية المدينة من "فوق".
وفي محور آخر، يسلّط المعرض الضوء على انحياز القانون الدولي لإسرائيل، واستخدام الولايات المتّحدة الأمريكيّة لحقّ النقض (الفيتو) في مجلس الأمن في كلّ المرّات التي كان يتعلّق فيها الأمر بالقرارات حول فلسطين وإسرائيل، وأثر ذلك على حقّ العودة للّاجئين الفلسطينيّين وحقّ تقرير المصير، وفي النتيجة انعدام ثقة الفلسطينيّين بالقانون الدولي. ومع اليأس من الإنصاف السياسي الدولي، يضيء المعرض على أمل الفلسطينيّين الذي يستمدّونه من حركات التضامن العالميّة معهم منذ عشرينيّات القرن الماضي وحتّى اليوم، دعمًا لقضيّتهم، وإسنادًا لحقّهم في الحياة، كما يسلّط الضوء على الدور الذي تلعبه حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) في الدعوة إلى مقاطعة إسرائيل وفرض العقوبات عليها.
وفي مقولته الأخيرة، يشدّد المعرض على أهميّة فهم القضيّة الفلسطينيّة في تبنّي موقف منها، ويذكّر بأنّ التحوّلات في الرأي العام العالمي وصعود التضامن مع القضيّة الفلسطينيّة جاء نتيجة الوصول غير المقيّد إلى المعرفة، والذي غيّر من قوانين اللّعبة العالميّة، وما يزال، حتّى الوصول إلى العدالة الكاملة والشاملة للفلسطينيّين. كما يدعو الجميع حول العالم إلى المساهمة في الدفع نحو اتّخاذ إجراء حقيقي لتحقيق العدالة للفلسطينيّين، وزيارة فلسطين إن أمكنهم ذلك، آمنين أينما حلّوا بيننا.
تعزّز مكتبة الأدوات المُتاحة ضمن المعرض محطّاته وموضوعاته، موظّفة أدوات التعبير الأرشيفيّة والإبداعيّة لتعزيز مشاركة الجماهير العالميّة. يُتاح المعرض إلكترونيًّا عبر الإنترنت للأشخاص والمؤسّسات المهتمّين بعرضه في المكان الذي يختارونه، بما يفتح المجال أمام إقامة مئات المعارض في أماكن عدّة حول العالم في ذات الوقت. وتتضمّن الأدوات ضمن هذا المعرض مجموعة من الموادّ البصريّة والأرشيفيّة والأعلاميّة، والصور الفوتوغرافيّة، والفيديوهات، والتسجيلات الصوتيّة، والأعمال الفنيّة، والإحصائيّات والرسوم البيانيّة، وغيرها من المصادر التي صمّمت لتروي، مجتمعةً، قصّة غزّة، المدينة التي تنبعث من الرماد.